المرحوم الملا عطية وذكرى ولادته : بحسب ترجمة ديوان «الجمرات الودية في المودة الجمرية» لمعديه عباس ابن الملا عطية ومحمد جمعة بادي؛ فإن الاسم الكامل للملا عطية هو عطية بن علي عبدالرسول بن محمد حسين بن إبراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان البحراني الجمري، ولد في قرية بني جمرة البحرينية عام 1317هـ - 1899م.
وأنشأ الملا عطية في يوم مولده الذي صادف (شهر جمادى الأولى) وهو الشهر الذي ولدت فيه فاطمة بنت النبي محمد (ص) أبياتاً شعرية يعبر فيها عن سروره بهذه المصادفة، قال فيها:
ولادتي في ليلة مشرفة زهية
شرفت الكون بها فاطمة القدسية
فيا لها من صدفة نلت بها الأمنيَّة
قال لي التاريخ: «عش بالخير ياعطية»
كان الملا عطية نحيفاً ويتمع بقامة طويلة، وعرف عنه حسن الخلق والكرم والتواضع، وكثرة التبسم لجليسه، وحدة الذهن وقوة البديهة، وحب الفكاهة، وعشق الأدب وكثرة الطموح وصلة الرحم وقضاء حاجة الإخوان.
أبا يوسف في أول الطريق :
بداية طريقه للمعرفة، كانت في العام 1324هـ - 1906م، حيث بعثه والده إلى المعلم (معلم القرآن) الملا سلمان بن علي بن فتيل، وكان يشتغل بصناعة البشوت إلى جانب عمله كمعلم وهو ما كان يجعل من عمله كمعلم صعباً خاصة في التفرغ لتدريس الطلاب وتطوير مستواهم؛ فالظروف الاقتصادية آنذاك كانت تجبر الفرد على المزاوجة بين أكثر من مهنة لتحصيل لقمة العيش الكريمة.
الملا عطية أرّخ لهذه المرحة، وقال فيها: «ولقلة الاعتناء لم أتحصل إلا على الضرب من الوالد والمعلم. وقد مكثت سنة كاملة». قبل أن يضيف «وفي عام 1325هـ تحولت إلى معلمة مؤمنة تسمى المسباحية - نسبة إلى أسرة آل مسباح - ولحسن العناية لم أمكث إلا 6 أشهر وحفظت القرآن».
وبعد حفظ القرآن الكريم، تعلم الملا عطية القراءة والكتابة على يد العلامة الشيخ محسن بن العلامة الشهيد الشيخ عبدالله أحمد العرب وقد كان من رواد المنبر الحسيني، ويرجح أن يكون الملا عطية قد تأثر أول الأمر به. إذ يذكر الملا « اشترى لي الوالد مجموعاً من المرحوم الشهيد الشيخ عبد الله العرب بعشر روبيات وألزمني أن أقرأ، وحفظت منه تسع قصائد وبعض الشعر باللغة الدارجة، وكان صوتي جميلاً».
أجاد الملا عطية القراءة والكتاب، وهو ما كان علماً نادراً في ذلك الزمان، لذلك رآه أبوه الذي كان يعمل في تجارة الأقمشة خير معين له في تجارته، حيث استعان به للعمل كـ»كراني» لتدوين الديون. كما كان يومياً يحمل الخرج من بني جمرة إلى المنامة حيث دكان أبيه على ظهر حمارة قد اشتراها له والده.
يقول الملا عطية: (واشترى لي والدي حمارة، أركبها وحدي وطالما ألقتني، وفي مرة من المرات تجرح وجهي وحملت الخرج والجاعد على كتفي والدم يجري من جبيني إلى بيت جدي حسين بن إبراهيم وفيه ولده إبراهيم فقط».
عائلة الملا وزمن الهجرة :
إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها عائلة الملا عطية، حيث كسدت تجارتهم وصاروا هدفاً للإغارة، اضطر والداه لترك البحرين والسفر به وكان يبلغ من العمر 10 سنوات فقط، وبأخيه الذي كان ذو 7 سنوات إلى المحمرة، حدث ذلك في العام 1327هـ - 1909م.
وفي المحمرة بدأ الملا عطية أول مرة في ركوب المنبر الحسيني كصانع (مساعد للخطيب الرئيسي، مهمته قراءة أبيات المقدمة فقط)، وفي مذكراته أشار لذلك بقوله: «كانت قراءتي في حسينية الفرساني بالمحمرة، وقاريهم ملا جلَّو وأخطأت مرة وانتهرني واعتذر عني والدي».
لم تكن عائلة الملا عطية لتستقر في المحرة أكثر من عامين، حيث انتقلت بعد ذلك إلى البصرة، في منطقة تقع على ضفاف شط العرب وتسمى «قطعة الشيخ».
ثم سافر الملا عطية مع والده إلى نهر كارون، وارتقى المنبر، فصاروا يعطونه أجرته بدل النقود 8 أكياس من الحنطة، إلا أنهم اضطروا للنزوح إلى الجانب الإيراني مجدداً بعد أن دخل الجيش البريطاني المدينة وحولها إلى ساحة قتال.
بعد نهر كارون أقامت العائلة الجمرية في جزيرة يقال لها «صلبوخ» وتعرف الآن بـ»مينو»، أقاموا فيها ثمانية أشهر، وواجهوا فيها ظروفاً قاسيةً، من شدتها لم تعقد مجالس عاشوراء هنالك في ذلك العام.
عائلة الملا والعودة للوطن
كانت آخر محطات الغربة في مدينة القصبة العراقية، حيث قررت عائلة الملا علي الجمري العودة إلى الوطن الأم البحرين، بعد تغرب دام نحو 10 سنوات قضتها العائلة رحالة بين محمرة إيران ومدن عراقية متعددة.
يقول الملا عطية:»وفي سنة 1338هـ - 1919م عزمنا على الرجوع إلى البحرين، وكانت رحلتنا على متن بوم مملوء بالتمر متجه إلى البحرين، وقد استغرقنا من فرضة المحمرة إلى فرضة البحرين 12 يوماً، ولما وصلنا فرضة المحرق اكترينا جالبوتاً من البوم إلى بني جمرة ومررنا بالجمارك بالمحرق واشتريت حلواً كثيراً بروبية واحدة، وكان وصولنا إلى بني جمرة عصر يوم 27 صفر للعام 1338هـ».
المودة الجمرية : الجمرات الودية هو الديوان الذي يضم الغالبية العظمى من قصائد الملا عطية، جمعه معدا قصائد أبي يوسف في تسلسل مرتب بحسب نوع الشعر ووزنه وبحره في 640 صفحة، وأشارا إلى أنه وقبل نظم القصائد في هذا الديوان؛ فإن التلميذ البار للملا عطية وهو الخطيب محمد علي الناصري تولى تدوين القصائد وتوثيقها بأمر من الملا عطية نفسه، وقد خرج الخطيب الناصري بحصيلة شعرية قوامها 6 دواوين، 4 شهدها الملا عطية في حياته، واثنان بعد وفاته. وقد أثنى الملا عطية كثيراً على الناصري، وقال في مذكراته: «هيأ الله سبحانه لي إخواناً صادقين وأبناء بارين يتعاونون على البر والتقوى، في طليعتهم الولد العزيز الشاب المؤمن جم الآداب الخطيب محمد علي الناصري، فقد أسندت إليه وثوقاً بذوقه الفني وتعاونه الصادق مهمة جمع الديوان من الأوراق والدفاتر فقام بالمهمة مشكوراً على أكمل وجه».
واستعمل الملا عطية الجمري، ألواناً متعددة من الشعر، حصرها معدا ديوان الجمرات في 7 أنواع أذكر بعضها في مايلي مع شيء من شعره - رحمه الله -
الأول هو الوزن الفائزي نسبة للمؤسس الخطيب ابن فايز وهو تنغيم الشعر وإضفاء الحزن على طريقة إلقائه وجر الونة في آخره وهو ما صار يعرف لاحقاً بالطريقة البحرانية. كالذي فاضت به قريحة الملا عطية راثياً رسول الله (ص)، حيث كتب:
اسم الله على طولك يا جمال الهاشمية
على المغتسل ممدود يا خير البرية
يا مرتضى اكشف لي عن الوالي وجماله
وشيل الكفن عن غرته تودعه أشباله
اللون الثاني الوزن الطويل، و»هو بحر طويل يوازن فاعلات (أربع مرات) تعاطاه أهل البحرين قبل عشرات السنين»، ومن نماذجه ما سطره في تصوير خطاب زوجة حبيب بن مظاهر الأسدي لزوجها تستنهضه لنصرة الحسين(ع).
يا حبيب ابن البتولة لا تخلي نصرته
بكربلا يقولون ظل محصور باهله واخوته
وفيما يتمثل اللون الثالث في أسلوب الموشح؛ فإن اللون الرابع هو مزيج من مختلف الأوزان ( الركباني، والعراقي، وطريقة ملا خظيَّر والمجاريد وغيرها) وهي على طريقة الأبيات المستقلة التي تختم كل فقرة بردادية ثابتة، ومنها ما جادت به قريحته في رثاء علي بن الحسين الأكبر (عليهما السلام)
من قطع اوصالك بسيفه ياعلي يابني
بعدك على الدنيا العفا فرقاك شيبني
أكبر يانور العين ... يمعفر الخدين.
أما اللون الخامس فكان متعدد الأوزان، والسادس خاص لقصائد مواكب العزاء، بينما خصص السابع للأبوذيات، وهو لون من الشعر يستخدم مفردة واحدة بمعاني مختلفة كـالذي جاء به على لسان السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهما السلام)
لخلي النوح طول العمر ورداي
يخوية ودمعي المسكوب ورداي
كسر ظلعي الشمر بالسوط ورداي
يسلبوني العدا ترضى عليّه
وغربت شمس الجمرات
الملا وذريته : أولد الملا عطية من الدنيا إحدى عشرة وردة لكل واحدةٍ منهم رائحة طيبة زكية في الخطابة وخدمة الحسين صار عدداً منهم خطباء وخطيبات وشعراء على شاكلة والدهم، الأولاد هم: الملا يوسف الملا عطية، الملا محمد صالح، الملا محمد رضا، الشيخ عبدالمحسن الجمري، جعفر، الرادود عبدالكريم، حسين، الملا المحقق عباس، أما بناته فهن: ملكة، ثرية، فاطمة، آيةرحم الله من مضى منهم وأطال بعمر المعاصرين .
الملا ووفاته : توفي في 30 شوال 1401 و بالميلادي 30 أغسطس 1981 و شيع و دفن جثمانه بتأريخ 31-8-1981 أي عن عمر يناهز 81 عام، وذلك عندما اشتد به المرض في الهند، حيث قصدها للعلاج. وقبل وفاته ركب المنبر وقرأ مجلساً مختصراً عن السيدة زهراء(عليها السلام) في المستشفى الذي كان يرقد فيه.
رحمه الله بواسع رحمته وحشرنا الله وإياه في ركب خدام الحسين مع محمد واله الطاهرين .
الفاتحة لروحه الزكية بولاء محمد وآله الطاهرين
المصدر: (( كتاب الجمرات))
تنفيذ: الرادود عمار العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق