بقلم جعفر طارش
المرحوم الحاج فيصل كما عرفته
انه العام 1984 م حين التحقتُ بسرب المتعلمين في المسجد و بدأت عيناي تتعرف على الشخوص المؤمنة والمترددة على باحة مسجد الوسطة ( ابي ذر الغفاري رض ) ، رأيته مصليا بعد انفتال المصلين من صلاة العشائين و خروجهم حيث يبدأ درسنا وعيني تلاحظه بين فينة واخرى واستمر الحال اشهرا عديدة والرجل لا زال كما عهدته حتى وجهت لنا دعوة بالغذاء في بيته وعرفت سبب الدعوة انها جاءت تتويجا بانتهاء ثلاث سنوات من الصلاة التي ظل يعيدها احتياطا ، بعد سؤاله لخاله الشيخ الجمري (رض ) عن حكم نطقه بداية تكليفه فأجابه الشيخ : ليس واجبا عليك اعادة الصلاة ، ولكنه احتاط و ألزم نفسه كنوع من التهذيب و الالتزام .
هذه كانت صورة اولى وتتعدد الصور الاخرى ولا تقل جمالا ورونقا عن سالفتها ، انه مأتم الانوار الذي ظل واقفا على رجل واحدة هي فيصل لا رديف معه ، بداياته سبقت توثيقي و ما تنتهى اليه سمعي حينها هو تبلور فكرة المأتم من اطفال المنطقة في غرفة مهجورة كانت معدّة للاهالي ( عين سبيل ) و كان خطيبهم هو الشيخ جواد الجمري – شقيق الفقيد – و تفرق الجمع و لم تذهب الفكرة واستمرت سنويا تبدأ العشرة الحسينية في السادس والعشرين من محرم في مسجد ابي ذر ، وطالما حدثني هو عن ان المأتم ينقصه الاعضاء والفاعلين ، والذين اختزلهم الزمن فيه وفي عياله الذين يساعدونه كل عام في جد و اجتهاد .
صورة ثالثة : حين رأيته في السبت الاسود بقرب مسجد الوسطه والاحداث تغلي و بعدها روى الاهالي عن الاصابات و المصابين ما اقشعرت له الابدان و كان نصيب المرحوم موقفا رائعا لا زلت أكبر فيه هذا الايمان ، حيث اصيب ببعض الشظايا و ظل ينزف و اراد مكان آمنا يستتر فيه فلم يجد غير المسجد فهمّ بالدخول ولما رأى الدماء تسيل آثر الخروج حفاظا على قدسية المسجد وطهارته فخرج واصيب مرة اخرى فنقل للمستشفى .
اما التزامه الديني كان انموذجاً مشرقا يحتذى به ، فمن جانب التزامه بالواجبات دأب على الاتيان بالمستحبات وداوم عليها ، ومن حضور مجالس و مواكب العزاء في شتى المناسبات ، ومن مجالس الذكر كالادعية النهارية في شهر رمضان ، ومن المواظبين والساعين لصلوات الجماعة وكان ملازما لخاله الشيخ الجمري طيلة فترة حياته ، و قد عرف المرحوم بسجدته الاثيرة ، حيث كان يلصق صدره وبطنه بالارض مراعاة للاستحباب و تمسكا بالسنة التي حث عليها الشرع ولم أرَ أحدا غيره يأتي بها .
نبذة عن اخلاقه ، كان رحمه الله لا يناديني الا ( جعفري ) والتي فيها ما فيها من المودة والمحبة والصفاء ، كنت اسعد حينما ارى ابتسامته و التي يمزجها بضحكة خفيفة من صوته المبحوح ، ولحين مماته لم اجده يوما غضب او رفع صوته على احد ، وكان همه في قلبه وبشره في وجهه صالحا في سريرته وعلانيته ، مأمون الجانب طيب المعاشرة سليم الذات .
البعض قد تكلم عن احترافه واختراعاته الفنية و انما يدل على حنكة وذكاء علمي ، بل الاجمل انه كان ذكيا في كسب قلوب الناس وبارعا في معاملتهم و قويا في مودتهم وتواصلهم ، وصولا لأفراد المجتمع في فرح او ترح ، متلمسا لأحوال اصدقائه واحبابه ، الذين هم الان قد فقدوا بفقده رجلا شهما متواضعا مؤمنا صالحا ، لله درك يا ابا مهدي و جعل الجنة منزلك ومثواك فقد طالما عملت لها وسعيت لسعادتك فيها ، الى روحه رحم الله من قرأ الفاتحة .
- نور على نور-
11 يوليو 2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق